أسطول الصمود العالمي: لماذا يتجه ناشطون من 44 دولة إلى البحر لكسر الحصار عن غزة؟

أسطول الصمود العالمي

يشرح اثنان من المشاركين في أسطول الصمود العالمي كيف دفعهما تاريخهما الشخصي وروابطهما العائلية وأمليهما في تحقيق العدالة إلى المخاطرة بكل شيء من أجل غزة.

في 31 أغسطس/آب، غادرت الدفعة الأولى من سفن أسطول الصمود العالمي ميناء برشلونة، في أكبر محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة منذ 18 عامًا. وتبعتها بعد أيام قليلة عشرات السفن الأخرى من تونس وموانئ أخرى على البحر الأبيض المتوسط.

وتمثل أسطول الصمود العالمي المبادرة الكبرى الرابعة هذا العام لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة، بعد قصف سفينة الضمير واعتراض بعثات سابقة، بما في ذلك سفينتي حنظلة ومادلين، واللتين أوقفتهما القوات الإسرائيلية بشكل غير قانوني في المياه الدولية.

خلال التحضيرات النهائية، تحدث اثنان من المشاركين، أحدهما ينسق العمليات من البر والآخر على متن السفن، لـ«العربي الجديد» عن أهداف هذه المهمة التاريخية ودوافع مشاركتهما.

وتكشف شهاداتهم كيف أن تاريخهم الشخصي، وروابطهم العائلية، والشعور المشترك بالإلحاح، دفع الناس العاديين في جميع أنحاء العالم إلى المخاطرة بسلامتهم من خلال تحدي أحد أشد الحصارات صرامة في العالم.


نحن نراكم، نسمعكم، ونحن قادمون.


لم يتخيل جيمس هيكي، وهو عامل نقل يبلغ من العمر 52 عامًا من غلاسكو، يومًا أنه سيجد نفسه على متن سفينة متجهة إلى غزة في مهمة إنسانية. ومع ذلك، وبينما كان يستعد للمغادرة، شرح الأب لثلاثة أطفال، بعزمٍ هادئ، سبب شعوره بالرغبة في المشاركة في هذه المهمة التاريخية.

وعلى دراية بالمخاطر التي تنتظره، أدرك جيمس الواقع العنيف الذي يواجهه أولئك الذين يتحدون الحصار الإسرائيلي. وقال بهدوء:


نعلم كيف تعاملت إسرائيل في الماضي مع العاملين في المجال الإنساني، والأطباء، والصحفيين، والرجال والنساء والأطفال الأبرياء. ولذلك، فإننا نتفهم تمامًا المخاطر التي ينطوي عليها ذلك. ولكن المخاطر التي نواجهها لا شيء على الإطلاق مقارنة بالمخاطر التي يواجهها الشعب الفلسطيني.


بالنسبة لجيمس، فإن مهمة الأسطول تتجاوز الحاضر: فهي تتعلق بالعالم الذي سيرثه أطفاله وأحفاده في المستقبل.


ما هو مستقبل أطفالي وأحفادي إذا لم نتحرك؟ بسبب مستوى التواطؤ والصمت الذي يسمح باستمرار هذا الوضع دون عقاب، لا أرى أي مستقبل لأحد في الغرب. هذا سيؤثر علينا جميعًا في نهاية المطاف.


هذا الشعور بالمسؤولية بين الأجيال متأصل في تاريخ عائلة جيمس. هرب أجداده من أيرلندا خلال مجاعة البطاطس، هربًا من الاحتلال والقمع البريطاني، ليواجهوا تمييزًا مستمرًا في غلاسكو.

نشأ جيمس في المجتمع الكاثوليكي الاسكتلندي الأيرلندي، وشهد بنفسه كيف تنتقل الصدمات والاضطهاد عبر الأجيال. بالنسبة لجيمس، أصبحت غزة بمثابة نموذج مصغر يوضح الحاجة إلى التحرر الجماعي.


وقال جيمس: أعتقد أن غزة تُمثل نموذجًا مصغرًا للكثيرين. إن شجاعة أهل غزة والضفة الغربية والفلسطينيين في مواجهة هذا الرعب تكشف عن كذب حكوماتنا وزيف ديمقراطيتنا، كما قال، مؤكدًا كيف كشفت الأزمة عن زيف ادعاءات الغرب بحقوق الإنسان.

إن المهمة الأساسية هي تقديم مثال للشجاعة والإنسانية للأجيال القادمة. كما يوضح:


يجب أن أعلم أطفالي، وأتمنى أن أعلم أحفادي، إذا حالفني الحظ بأن أنجب أحدهم يومًا ما، كيفية التصرف كإنسان، وما هو مهم في الحياة. ما هي أهم الأشياء في الحياة؟ العائلة، المجتمع، الكرامة، الإنسانية، ومساعدة المظلومين.


ويعكس القرار بزيادة عدد القوارب مقارنة بمحاولات السفن الفردية السابقة الدروس الصعبة المستفادة من عمليات الاعتراض السابقة.

وتطورت الحركة رداً على التكتيكات الإسرائيلية، حيث أدرك المنظمون أن نشر العشرات من السفن في وقت واحد من شأنه أن يزيد من فرص نجاح بعضها على الأقل في توصيل حمولتها من المساعدات، والأهم من ذلك، رسالتهم التضامنية مع شعب غزة.

ورغم أن الفريق استعد بشكل مكثف لإنزال ناجح في غزة، إلا أن جيمس أقر بأن النتيجة غير مؤكدة للمهمة.

ويدرك منظمو الأسطول المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها الأمر، وقد اعتمدوا نهجا واقعيا: الاستعداد للأسوأ مع البقاء على أمل تحقيق أفضل نتيجة ممكنة.

وحتى لو لم تصل القوارب إلى وجهتها، فإن التأثير الرمزي لأكبر احتجاج منسق ضد الحصار يرسل رسالة قوية حول تصميم المجتمع الدولي المتزايد على إنهاء الإبادة الجماعية والمجاعة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة.

يؤمن جيمس إيمانًا راسخًا بقوة العمل الرمزي في تحفيز تغيير أوسع. واستشهد بمثال مجلس مدينة غلاسكو، مسقط رأسه، الذي منح نيلسون مانديلا جائزة "حرية المدينة" عام 1981، مما أشعل شرارة حركة عالمية تلتها، وساهم في نهاية المطاف في الضغط الدولي والعقوبات التي ساهمت في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وبالنسبة لجيمس، حتى لو تم اعتراض الأسطول، فإن ذلك يمثل لحظة مماثلة من الوضوح الأخلاقي الذي يمكن أن يلهم مقاومة دولية متزايدة لحصار غزة.

رغم عيشه في أحد أصعب أحياء غلاسكو، أدرك جيمس المخاطر لكنه لم يتأثر. بعد أن شهد الآثار المدمرة لعنف العصابات في مجتمعه، ينظر إلى تكتيكات الجيش الإسرائيلي من منظور مألوف:


هذا هو جوهر ما يفعله قادتنا وجيش الدفاع الإسرائيلي - العصابات - وقد شهدته بنفسي.


وكانت رسالته إلى الفلسطينيين في غزة بسيطة ولكنها قوية: نحن نراكم، ونسمعكم، ونحن قادمون. لن نتوقف أبدًا حتى تصل المساعدات.


وبالنسبة لسامي الصوص، المنسق البريطاني والمتحدث الرسمي الذي يقدم المساعدة من البر الرئيسي، فإن هذه المهمة التاريخية لها أهمية خاصة نظرا لأصوله الفلسطينية.

وأثناء حديثه من برشلونة حيث كان ينسق الاستعدادات النهائية للأسطول، وصف سامي كيف شهد تعبئة غير عادية تتكشف أمام عينيه.

قال، مندهشًا من تجمّع المتطوعين الذين يدفعهم هدفٌ مشترك: الجوّ رائع، من المذهل أن ترى هذه المبادرة النور في وقتٍ قصيرٍ كهذا، وأن يأتي هؤلاء الأشخاص من 44 دولةً حول العالم، موزعين على ستّ قارات.

جميعهم يأتون إلى هنا بهدفٍ واحد، وقوةٍ واحدة، وشعارٍ واحد، ومهمةٍ واحدة: الوصول إلى شواطئ غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، وكسر الحصار.

لقد أدى فشل المسيرة العالمية إلى غزة، حيث تم إرجاع سامي وجيمس قبل الوصول إلى حدود رفح، إلى جانب اعتراض محاولات الأسطول السابقة، إلى إقناع المنظمين بأن النهج البحري المنسق يوفر أفضل أمل لكسر الحصار.

بالنسبة لسامي، الذي تعيش عائلته على بعد بضعة كيلومترات فقط من قرية مسافر يطا في الضفة الغربية، والتي كانت ضحية متكررة للغارات، فإن هذه المهمة تمثل إلحاحًا شخصيًا وتواضعًا عميقًا.

وشهد كيف أن عدد عمليات إطلاق النار والقتل والسجن اليومية ارتفع بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر، مع العنف اليومي الذي يرتكبه المستوطنون بحماية القوات الإسرائيلية.

ورغم هذا الارتباط المباشر بالمعاناة الفلسطينية، فقد ظل سامي يضع نفسه وزملاءه الناشطين باستمرار في موضع المتلقين للإلهام وليس المقدمين له.

Admin
Admin
تعليقات